رواية "امرأة وحربان ".. معزوفة الحب في وجه الكارثة رواية "امرأة وحربان ".. معزوفة الحب في وجه الكارثة

 

علي عبدالله العجري

 

"امرأة وحربان" رواية للكاتبة إنصاف حمود أبو راس، صادرة عن دار أروقة في القاهرة، تقع في أكثر من خمسمائة صفحة من القطع المتوسط. وهي الرواية الأولى للكاتبة.

من المسلمات أن الناظر لأي كتاب، أول ما تحط عيناه على العنوان، فهو العتبة الأولى التي سيلج منها القارئ إلى العوالم الداخلية للنص. وعنوان هذه الرواية "امرأة وحربان" يشير في ظاهره إلى انعكاس الحرب على المرأة؛ كونها أكثر من يدفع الفاتورة- وهذه ثيمة ستتكشف لنا بوضوح كلما توغلنا داخل النص- لكن لماذا حربان (مثنى) وليست حربًا واحدة؟!

الراجح أن الكاتبة عمدت في ذلك إلى ترميز واعٍ، يفتح العنوان على قراءة أعمق مفادها: إننا ضحايا لحربين، داخلية وخارجية، حرب مع الآخر وحرب مع الذات، حرب مع الجسد وحرب مع الروح، حرب مادية وحرب معنوية. وقد جاءت لوحة الغلاف لتكمل هذا المعنى، وتقوِّس ترميزًا آخر، من خلال الرسمة، حيث يُرى شخصٌ في مكان مهجور أو مدمر تحيط به العتمة. ورغم أطلال المكان التي تشي بماض صلب ومتين- يؤكده العمود الأسطواني البارز- لكن الشخص الواقف هناك غير واضح الملامح والجنس. هل هي امرأة استرجلت بفعل الحرب وذهبت أنوثتها؟! أم هو شاب أنّثته الحرب؟!

وفي الغلاف أيضا، نرى اسم المؤلفة مكتوب بالوردي وهذا جميل وموحٍ، لكن "امرأة وحربان" مكتوب بالأبيض وهذا لا يتطابق مع الحال والدلالة الرمزية الممكنة للمضمون. وقد تم تصحيح هذا الخطأ- إن صح التعبير- في الغلاف الأخير وذلك بكتابة العنوان باللون الأسود.

عمدت الكاتبة إلى ترميز واعٍ، يفتح العنوان على قراءة أعمق مفادها: إننا ضحايا لحربين: داخلية وخارجية، حرب مع الآخر وحرب مع الذات، حرب مع الجسد وحرب مع الروح، حرب مادية وحرب معنوية.

المحتوى بين الغلافين

في الغالب، توجد رواية لشخص تدور حوله الأحداث، في هذه الحالة تسمى رواية شخص، وقد تُكتب على شكل سيرة ذاتية أو غيرية. أو رواية حدث تدور حوله الشخصيات، وتسمى رواية حدث. لكن في هذه الرواية "امرأة وحربان" نجد مزيجًا من الأحداث والبوح الشخصي، أفضى إلى سرد درامي. حاولت الروائية من خلاله أن تعالج مواضيع عدة أهمُّها: موضوع (البطلة نور) التي وقعت ضحيةً لتفكك أسري مبكر، جعلها تعيش في المستقبل بمشاعر مضطربة، بين الاندفاع الجارف نحو الحب والحياة، وبين التكليف والالتزام الاجتماعي والقبول بالمتاح، حتى فيما يتعلق بالزوج، حين قبلت برجل الأعمال الكبير في السن، متخلية بذلك عن خيار قلبها وحبها الأول (زميلها في الجامعة). لكن هذا المتاح الاضطراري لم يدم طويلا، بعد أن اختطفت الحرب الزوج مع كثير من عماله إثر استهداف أحد مصانعه بقذيفة صاروخية.

والحرب هذه ستكون المسار الموازي في الرواية لقصة نور، بما في الحرب من أهوال ونزوح وخطف وتعذيب في السجون وقسوة وتشرد وهجرة، وقطع طرق وقطيعة أرحام، وجشع وفساد ضمائر وأخلاق. وكلما طالت الكارثة تكررت الخيبات والنكسات..

ومن الخيبات تعلقت نور بحبيب وهمي في الفضاء الأزرق (الفيس بوك) وبعد مدة من الحب والبوح ونزف المشاعر، تكتشف البطلة أن الحبيب الوهمي. ما هو إلا صديق أخيها أحمد، اسمه أدهم، تعرض للاختطاف والتعذيب النفسي والجسدي... ثم استطاع أن يهرب من السجن وحاول الانتقام بثورة ضد خاطفيه لكن محاولته العنيفة لتغيير الواقع انتهت بموته. ومن خلال هذه السردية، بين نور وأدهم، تتشكل ثيمة بارزة في الرواية، وهي ثنائية الحب والحرب. فيموت أدهم في الحرب وتقترب نور من الموت حبًا.

نجد مزيجًا من الأحداث والبوح الشخصي، أفضى إلى سرد درامي. حاولت الروائية من خلاله أن تعالج مواضيع عدة.

مسارات متعددة

اشتغلت الكاتبة على أكثر من مسار وأكثر من جانب في الرواية:

-       مسار نفسي: من خلال نور التي لها شخصيتان ظاهرة وباطنة وكل منهما عكس الأخرى.

-       مسار اجتماعي: من خلال التفكك الأسري والفقر وملاجئ الأيتام.

-       مسار سياسي: من خلال الصراع على السلطة والثروة.

-       فكري: من خلال العلمانية والدين والاشتباك بينهما.. التدين الحقيقي والتدين المغشوش.

-       وجودي: من خلال الحياة والموت، الحب والسعادة، البعث، والجنة والنار.

هذه المسارات أثرت على الحبكة في الرواية، وعلى تصاعد أحداثها، حتى بدت غير متماسكة، أو أن الكاتبة فقدت السيطرة على الروابط الناظمة بينها.

الشخصيات

فيما يتعلق بالشخصيات وبنائها، نلاحظ أن نور شخصية مركبة، لها حالتان، ظاهرة وباطنة- كما ذكرنا- وكان من المفروض أن يُشبع هذا الجانب السيكولوجي، ويتطور مع الأحداث، لكن الكاتبة لم تمسك بهذا الخيط جيدا؛ بسبب الخيوط الكثيرة الموجودة في الرواية. أما بقية الشخصيات فالغالب عليها البساطة والسطحية والتقليدية.

اشتغلت الكاتبة على أكثر من مسار: نفسي، اجتماعي، سياسي، فكري، ووجودي. وقد أثرت هذه المسارات على الحبكة في الرواية وعلى تصاعد أحداثها.

ضمير السرد

اعتمدت الكاتبة في الحكي على راوِيَين: راوٍ بضمير "الأنا" نور، وراوٍ عليم بضمير الغائب "هو"، لكنه غير واضح. هل البطلة تروي عن الأشخاص أم أنه راو آخر؟ خصوصًا عند الحديث عن أدهم.

لو أن الكاتبة اهتمت بالتكنيك أكثر لقدمت سردًا مدهشًا. فعندما تتحدث المرأة بضمير الأنا وتبث بواسطته كل أوجاعها ووطأة الحرب عليها، وفي المقابل تتحدث عن الرجل في الحرب بضمير "الغائب" المغيب، سيصل النص إلى قمة الإيحاء والتعبير. وقد حاولت الكاتبة ذلك، لكن شاب محاولتها الارتباك والفجوات السردية الكثيرة، منها:

دخول شخصية أدهم الفجائية دون فرشة، وكأنه حكاية مختلفة لا علاقة له بنور، واستمر ذلك الفصام واضحًا ولم يلتحم، إلا في الفصل الثاني وفي الصفحة الثانية والسبعين بالتحديد. وكذلك الانتقالات بين الأصوات المتعددة الأخرى، كانت تتم بدخول خشن وقطع خشن إذا ما استعرنا لغة السينما.

ارتفاع السرد وانخفاض الوصف

كثرة الأحداث في الرواية وتشعباتها جعلت السرد عاليًا على حساب العمق والوصف الذي جاء غير مشبع وغير موظف أحيانًا. أما الاستطراد فيفيض عن الحاجة في بعض النقاط، خصوصًا والكاتبة حشدت أكثر من أسلوب:

فإلى جانب الأسلوب السردي الدرامي، يوجد الأسلوب التعريفي، والتفسيري، وكذلك الإرشادي... ونلاحظ أن الأسلوب في حالة الحديث عن النفس يكون بديعًا ومؤثرًا، لكن الكاتبة إنصاف كانت مقلة فيه، ومكثرة من أشياء أخرى. وعندما يتحول السرد إلى السياسة والواقع والإرشاد يكون تقريريًا مباشرًا.

تشبه الرواية غرفة جميلة مليئة بأثاث ثمين، لكنها غير مرتبة. وبشيء من التنظيم، والتخلص من الفائض، ستكون رواية بديعة مدهشة.

المكان والزمان في الرواية

لم تهم الكاتبة كثيرًا بالمكان حيث بدأ ملتبسًا، لم يستقر إلا في صفحة ٢٢ عندما قالت: "غادرنا تعز...." لنعرف أن مسرح الأحداث كان بالتناوب بين تعز وصنعاء وأماكن ثانوية أخرى كبعض المناطق الريفية. أما الزمان فقد انقسم إلى زمن طبيعي: الصباح، المساء، الظهر. الليل.... وزمن تاريخي، وهو زمن الحرب الأهلية اليمنية التي لم تنتهِ بعد. كما تضمنت الرواية الزمن النفسي، وهو لحظات شعور البطلة وبقية الشخصيات بالحب والحزن والفرح والخيبات والانتصارات... كأن تقول البطلة: لحظة شعرت فيها بألم... لحظة شعرت فيها بالنشوة... وعلى ذلك يمكن القياس.

وفي المجل يمكن تلخيص هذه الرواية بأنها غرفة جميلة مليئة بأثاث ثمين. لكن تغلب عليها العشوائية وعدم الترتيب. وبشيء من الترتيب، والتخلص من الفائض، ستكون رواية بديعة مدهشة. وما يشفع للكاتبة إنصاف أن هذه هي روايتها الأولى.

علي عبدالله العجري كاتب وصحفي يمني.